لم تخل قط حصص التعبير في أي سنة دراسية, أيا كانت المرحلة من كتابة موضوع عن القراءة وأهمية الكتب, باعتبارها خير صديق.. وكثيرا ما أتحفنا أساتذتنا مع عناصر الموضوع, التي اعتادوا أن يكتبوها بكل ألوان الطباشير علي كل أنواع السبورات, بأقوال للحكماء والفلاسفة وكبار الكتاب, بل وبعض الآيات القرآنية كي نستعين بها في صياغة الموضوع لضمان الحصول علي أعلي الدرجات..
مع ذلك فقد ظل كل ما سطرناه وسطره غيرنا مجرد سطور في كراسات يدحضها واقع يؤكد أن معظمنا أبعد ما يكون عن عالم الكتب وحكاياته... واقع تمثلت ملامحه لفترات طويلة في مكتبات المدارس المغلقة وفي أوراق الكتب الممزقة التي تبعثرها الرياح عقب الانتهاء من الامتحانات وكأن الطلبة ينتقمون من الكتاب.. واقع كرست له الأعمال الدرامية عندما حصرت علاقة المجتمع بالكتاب في صور نمطية, لاتتجاوز الشفقة علي شاب خجول يعيش في عالم خيالي صنعته أوراق الكتب أو مثقف متحذلق يكرر كلمات بلا معني أو امرأة فاشلة مسترجلة تهدر حياتها ليأتي الحل السعيد دائما مع إلقاء الكتاب جانبا!!
هكذا ظل الكتاب لسنوات طويلة, وإن احترمناه بدافع الدلالات الدينية, سرا يخشاه معظمنا وكيانا منبوذا في أيدي فئة قليلة خارجة عن السياق المجتمعي العام.. وهكذا أيضا ظل التعامل باستخفاف مع المعلومات والاحصاءات التي تؤكد تراجع عادة القراءة في مصر وكأن الأمر طرفة أو رفاهية لانحتاج إليها.. بل إن التجاهل امتد لدلالات الظاهرة الخطيرة وتداعياتها الأخطر, في زمن أصبحت معايير ثروة الأمم وتقدمها يقاس بحجم المعرفة التي تنتجها المجتمعات, لتمر احصائية اليونسكو التي حددت معدل القراءة في مصر بنصف كتاب سنويا, مرور الكرام..
ومع تعرض مصر لهجمة الارهاب وظهور الفكر المتطرف تنبهت الأجهزة الثقافية لأهمية الكتاب ودوره في مقاومة الفكر الظلامي, فشهدت مصر صدور سلسلة التنوير وتفعيل فكرة السيدة سوزان مبارك من خلال مهرجان القراءة للجميع ومكتبة الأسرة, التي وإن لم ترفع معدل القراءة بالدرجة المرجوة خلال الأعوام الماضية, إلا أنها وللحق, أعادت الكتاب لبؤرة الاهتمام وقدمته بأسعار رمزية واستعادت دور المكتبات العامة بعد أن تحولت علي مدي عقود لأثر بعد عين..
والحقيقة أن مهرجان القراءة للجميع قد واجهته بعض المشكلات علي مدي سنواته الست عشرة الماضية من قبيل صعوبة العثور علي اصدارات المكتبة, إما بسبب بيعها في السوق السوداء بأسعار أعلي أو بسبب نفاد الكميات القليلة المطبوعة أو عدم إدراج بعض السلاسل الجيدة في خطة اصدارات المكتبة..
والآن وبعد أن تحول مهرجان القراءة للجميع من مناسبة موسمية تقتصر علي أشهر الصيف وأصبح حملة قومية مستمرة طوال العام بات من المحتم علينا البحث عن استراتيجية واضحة المعالم لتفعيل دور الكتاب في حياتنا اليومية ليجد لنفسه مساحة علي خريطة وقت المواطن المصري علي غرار مايحدث في الدول الأخري..
واليوم وإذ نرصد علي هذه الصفحة بعض آراء ورؤي العاملين في الحقل الثقافي والمسئولين عن تنفيذ مشروعات الحملة المتعددة نحاول في نفس السياق ومن خلال هذه السطور طرح بعض النقاط الي قد تسهم في تغيير النمط السائد للتعامل مع الكتاب وتشجيع فعل القراءة من منطلقات غير تقليدية من خلال الدعوة لمشاركة الهيئات الأهلية ورجال الأعمال وكل أجهزة الاعلام في الحملة وتوظيف اساليب الدعاية العلمية لخلق حالة وعي تراكمي..
وإذا كنا لاننكر أهمية الدعاية لاستثارة اهتمام الجمهور, إلا أنه من المؤكد أن تفعيل فعل القراءة يتطلب أكثر من تلك اللوحات المنتشرة في الشوارع أو ذلك الاعلان التليفزيوني الذي تطالبنا فيه يسرا بالقراءة.. فالقراءة ــ رغم كل احترامنا ليسرا وشركائها في الاعلان الباهظ التكلفة ــ تحتاج لما هو أكثر من طلة نجم محبوب ومن العبارات التي يسطرها الطلبة في أوراق الامتحانات وكراسات التعبير ونادرا ما تتحول لفعل..
والفكرة التي تتبناها دنيا الثقافة اليوم تنحصر في تخصيص ميزانية هذه الاعلانات وجزء من الدعم الذي يمكن أن تمنحه الأجهزة الحكومية والهيئات الأهلية ورجال الأعمال لتوفير الامكانيات اللازمة ليس فقط لتجهيز المكتبات والإنفاق علي الأنشطة بل أيضا لتوفير الامكانيات التكنولوجية التي تتيح خروج كاميرات التليفزيون وميكروفونات الاذاعة لتقديم تغطية حية لكل الأنشطة والندوات التي تقام في إطار الحملة, وبالتالي بثها علي فترات طوال اليوم.
علي جانب آخر يتم تخصيص جزء من هذه الميزانية لتقديم برامج يومية يتم بثها علي مدار ساعات اليوم في الاذاعة والتليفزيون والفضائيات, علي أن تنحصر مهمة هذه البرامج في تقديم قراءات سريعة لكتب علي غرار ما يحدث في البرنامج الثقافي في الاذاعة أو في برنامج قرأت لك أو خطاب علي لسان كتاب للقديرة مشيرة كامل في البرنامج العام, وفي غيره من البرامج شبه السرية التي يلتقطها الجمهور بالصدفة نظرا لندرتها وترحيلها لساعات البث الميتة.. وأزعم أن تلك القراءات السريعة لن تثري فقط وعي الجمهور وتطلعه علي العديد من الكتب في كل التخصصات, بل انها, أغلب الظن, قد تستثير فضوله للبحث عن الكتاب وقراءته, وهي حالة معروفة محليا وعالميا, حيث تشهد أسواق الكتب ازدهارا ويزداد الطلب علي الأعمال بعد تقديمها في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة..
إن دنيا الثقافة إذ تطرح هذه الدعوة وغيرها من رؤي العاملين في الحقل الثقافي والتي سنرصدها من خلال تحقيق الزميل محمد هزاع, إنما تحاول الوصول لاستراتيجية تضمن استمرار الحملة علي نفس المستوي طوال أيام العام والأعوام القادمة ليس فقط لاستعادة دور الكتاب في حياتنا, بل أيضا لاستعادة روح وطاقة الإنسان المصري وازاحة الركام الذي جثم علي عقله وقلبه وتفجير طاقات الابداع بداخله والقدرة علي الحلم وتحقيقه وهو ما لا يمكن أن يتأتي إلا بالانفتاح علي عوالم وخبرات ومعارف لن يجدها, أو يسبر أغوارها وإن تعددت الوسائل, إلا بين دفتي كتاب..
مع ذلك فقد ظل كل ما سطرناه وسطره غيرنا مجرد سطور في كراسات يدحضها واقع يؤكد أن معظمنا أبعد ما يكون عن عالم الكتب وحكاياته... واقع تمثلت ملامحه لفترات طويلة في مكتبات المدارس المغلقة وفي أوراق الكتب الممزقة التي تبعثرها الرياح عقب الانتهاء من الامتحانات وكأن الطلبة ينتقمون من الكتاب.. واقع كرست له الأعمال الدرامية عندما حصرت علاقة المجتمع بالكتاب في صور نمطية, لاتتجاوز الشفقة علي شاب خجول يعيش في عالم خيالي صنعته أوراق الكتب أو مثقف متحذلق يكرر كلمات بلا معني أو امرأة فاشلة مسترجلة تهدر حياتها ليأتي الحل السعيد دائما مع إلقاء الكتاب جانبا!!
هكذا ظل الكتاب لسنوات طويلة, وإن احترمناه بدافع الدلالات الدينية, سرا يخشاه معظمنا وكيانا منبوذا في أيدي فئة قليلة خارجة عن السياق المجتمعي العام.. وهكذا أيضا ظل التعامل باستخفاف مع المعلومات والاحصاءات التي تؤكد تراجع عادة القراءة في مصر وكأن الأمر طرفة أو رفاهية لانحتاج إليها.. بل إن التجاهل امتد لدلالات الظاهرة الخطيرة وتداعياتها الأخطر, في زمن أصبحت معايير ثروة الأمم وتقدمها يقاس بحجم المعرفة التي تنتجها المجتمعات, لتمر احصائية اليونسكو التي حددت معدل القراءة في مصر بنصف كتاب سنويا, مرور الكرام..
ومع تعرض مصر لهجمة الارهاب وظهور الفكر المتطرف تنبهت الأجهزة الثقافية لأهمية الكتاب ودوره في مقاومة الفكر الظلامي, فشهدت مصر صدور سلسلة التنوير وتفعيل فكرة السيدة سوزان مبارك من خلال مهرجان القراءة للجميع ومكتبة الأسرة, التي وإن لم ترفع معدل القراءة بالدرجة المرجوة خلال الأعوام الماضية, إلا أنها وللحق, أعادت الكتاب لبؤرة الاهتمام وقدمته بأسعار رمزية واستعادت دور المكتبات العامة بعد أن تحولت علي مدي عقود لأثر بعد عين..
والحقيقة أن مهرجان القراءة للجميع قد واجهته بعض المشكلات علي مدي سنواته الست عشرة الماضية من قبيل صعوبة العثور علي اصدارات المكتبة, إما بسبب بيعها في السوق السوداء بأسعار أعلي أو بسبب نفاد الكميات القليلة المطبوعة أو عدم إدراج بعض السلاسل الجيدة في خطة اصدارات المكتبة..
والآن وبعد أن تحول مهرجان القراءة للجميع من مناسبة موسمية تقتصر علي أشهر الصيف وأصبح حملة قومية مستمرة طوال العام بات من المحتم علينا البحث عن استراتيجية واضحة المعالم لتفعيل دور الكتاب في حياتنا اليومية ليجد لنفسه مساحة علي خريطة وقت المواطن المصري علي غرار مايحدث في الدول الأخري..
واليوم وإذ نرصد علي هذه الصفحة بعض آراء ورؤي العاملين في الحقل الثقافي والمسئولين عن تنفيذ مشروعات الحملة المتعددة نحاول في نفس السياق ومن خلال هذه السطور طرح بعض النقاط الي قد تسهم في تغيير النمط السائد للتعامل مع الكتاب وتشجيع فعل القراءة من منطلقات غير تقليدية من خلال الدعوة لمشاركة الهيئات الأهلية ورجال الأعمال وكل أجهزة الاعلام في الحملة وتوظيف اساليب الدعاية العلمية لخلق حالة وعي تراكمي..
وإذا كنا لاننكر أهمية الدعاية لاستثارة اهتمام الجمهور, إلا أنه من المؤكد أن تفعيل فعل القراءة يتطلب أكثر من تلك اللوحات المنتشرة في الشوارع أو ذلك الاعلان التليفزيوني الذي تطالبنا فيه يسرا بالقراءة.. فالقراءة ــ رغم كل احترامنا ليسرا وشركائها في الاعلان الباهظ التكلفة ــ تحتاج لما هو أكثر من طلة نجم محبوب ومن العبارات التي يسطرها الطلبة في أوراق الامتحانات وكراسات التعبير ونادرا ما تتحول لفعل..
والفكرة التي تتبناها دنيا الثقافة اليوم تنحصر في تخصيص ميزانية هذه الاعلانات وجزء من الدعم الذي يمكن أن تمنحه الأجهزة الحكومية والهيئات الأهلية ورجال الأعمال لتوفير الامكانيات اللازمة ليس فقط لتجهيز المكتبات والإنفاق علي الأنشطة بل أيضا لتوفير الامكانيات التكنولوجية التي تتيح خروج كاميرات التليفزيون وميكروفونات الاذاعة لتقديم تغطية حية لكل الأنشطة والندوات التي تقام في إطار الحملة, وبالتالي بثها علي فترات طوال اليوم.
علي جانب آخر يتم تخصيص جزء من هذه الميزانية لتقديم برامج يومية يتم بثها علي مدار ساعات اليوم في الاذاعة والتليفزيون والفضائيات, علي أن تنحصر مهمة هذه البرامج في تقديم قراءات سريعة لكتب علي غرار ما يحدث في البرنامج الثقافي في الاذاعة أو في برنامج قرأت لك أو خطاب علي لسان كتاب للقديرة مشيرة كامل في البرنامج العام, وفي غيره من البرامج شبه السرية التي يلتقطها الجمهور بالصدفة نظرا لندرتها وترحيلها لساعات البث الميتة.. وأزعم أن تلك القراءات السريعة لن تثري فقط وعي الجمهور وتطلعه علي العديد من الكتب في كل التخصصات, بل انها, أغلب الظن, قد تستثير فضوله للبحث عن الكتاب وقراءته, وهي حالة معروفة محليا وعالميا, حيث تشهد أسواق الكتب ازدهارا ويزداد الطلب علي الأعمال بعد تقديمها في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة..
إن دنيا الثقافة إذ تطرح هذه الدعوة وغيرها من رؤي العاملين في الحقل الثقافي والتي سنرصدها من خلال تحقيق الزميل محمد هزاع, إنما تحاول الوصول لاستراتيجية تضمن استمرار الحملة علي نفس المستوي طوال أيام العام والأعوام القادمة ليس فقط لاستعادة دور الكتاب في حياتنا, بل أيضا لاستعادة روح وطاقة الإنسان المصري وازاحة الركام الذي جثم علي عقله وقلبه وتفجير طاقات الابداع بداخله والقدرة علي الحلم وتحقيقه وهو ما لا يمكن أن يتأتي إلا بالانفتاح علي عوالم وخبرات ومعارف لن يجدها, أو يسبر أغوارها وإن تعددت الوسائل, إلا بين دفتي كتاب..