رحلة العمر :السفر للحج والعمرة
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَّ ولا ندَّ له، وأشهد أنَّ سيّدنا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلّى الله عليه وسلّم وعلى كلِّ رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإنّي أوصيكم ونفسي بتقوى الله. وأذكر لكم أنّه وبعد أن انتهى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام من بناء الكعبة أمره الله تعالى بأن ينادي في الحجِّ ، قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. سورة الحج/27. فقال إبراهيم: {يا ربِّ كيف أُسْمِعُهُم} فقال الله له: {عليّ البلاغ} أي أنا أُسْمِعُهُم، (وكلام الله ليس ككلامنا فليس صوتًا ولا حرفًا ولا لغة) فنادى سيِّدنا إبراهيم عليه السلام في مكانه: "يا أيها الناس إنّ الله كتب عليكم الحجَّ" فسمع كل روحٍ يحجّ إلى يوم القيامة صوت إبراهيم عليه السلام. (المستدرك 2/421 وقال صحيح).
ها هو موسم الحجِّ قد أقبل فاختلجت له القلوب في صدور المؤمنين الصادقين الصالحين، وتَهيّأ من تيسّر لهم الأمر لرحلة العمر لأداء هذه الفريضة المعظّمة، وزيارة تلك الرحاب المقدّسة التي كان فيها سيِّد المرسلين وخير النبيين سيِّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم.
وبقيت قلوب يعتريها الأسى واللوعة ويغمرها الشوق والحنين بغية السفر لأداء هذه الفريضة العظيمة في عام قادم لا ندري أيقبل ونحن أحياء أم نكون تحت أطباق الثرى.
ويشدُّ المؤمنون الرحال فلا يستبعدون من حبِّهم بعيدًا، عرفوا قدر الآخرة فهان عليهم التعب وطوّعوا أنفسهم، خافوا الوعيد فقرب عليهم البعيد.
عباد الله، ثَمّة رجال قصدوا الحجّ مشيًا على الأقدام، منهم رجلٌ يقال له إبراهيم بن أدهم الذي رءاه رجل على ناقته فقال له: إلى أين يا إبراهيم؟ قال إبراهيم: أريد الحجّ. فقال الرجل: ولكنّ الطريق بعيدٌ أين الراحلة؟ فقال إبراهيم: لي مراكبُ كثيرة ولكنّك لا تراها. فقال الرجل: أين هي؟ فقال إبراهيم: إذا نزلتْ بي مصيبةٌ ركبتُ مركِب الصبر، إذا نزلت بي نِعمةٌ ركبت مركِب الشكر، وإذا نزل القضاء ركبت مركِب الرضا، وإذا دعتني نفسي إلى شىء علمتُ أنه ما بقي من الأجل إلا قليل. فقال الرجل: سر بإذن الله فوالله أنت الراكب وأنا الماشي.
هناك تَنال النفوس مطلبها، وتجد الأرواح المشتاقة ترياقها وبلسمها، هناك يطوف الناس بالبيت العتيق، يطوفون ببيت الله الحرام ولسان حالهم يقول: يا ربُّ مهما دُرْنا واستَدَرْنا لا ملجأ لنا إلا إليك، هناك عندما تستلم الحجر الأسود وتقبّله تستحضر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مسّت شفتاه هذا الحجر.
هناك إذا صلّيتَ أمام الكعبة ورفعتَ رأسك من السجود فطالعتكَ أنوارُ الكعبة، وتنسّمْتَ عبق شذاها، ستجدُ مرّةً أخرى شاهدًا بأنك عبدٌ لربِّ هذا البيت.
هناك عندما تسعى بين الصفا والمروة تستحضر قصّة سيِّدتنا هاجر وولدها إسماعيل لَمّا تركهُما إبراهيم عليه السلام وكان المكان قفرًا صحراء فسألتْه مِرارًا: "يا إبراهيم أين تتركُنا في هذا المكان الذي ليس فيه سَميرٌ ولا أنيسٌ" وكان يريد أن يطيع الله فيما أمره فقالت له: الله أمرك بهذا ؟ فقال نعم.
فقالت له بلسان اليقين : "إذًا لا يُضيِّعُنا" وأظهر الله لها الماء السلسبيل العذب ماء زمزم.
وبثياب الإحرام البيضاء يزدحم الناس في عرفات يدعون الله ويبتهلون له فإنه يومُ عرفة حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ما رؤي الشيطان أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا أنّ الرحمة تنْزل فيه فيتجاوز عن الذنوب العظام".
وبعد ذلك كلِّه لا بدّ من حطِّ الرحال في تلك المدينة المنوّرة التي هي أفضل بلاد الله بعد مكّة المكرّمة، إنها المدينة التي كان يقول فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ الإيمان ليأرِزُ إلى المدينة كما تأرِزُ الحيّة إلى جحرها" .
إنها المدينة التي لا يدخلها الأعورُ الدجال بل يكون على مداخلها ملائكة يمنعونه من دخولها.
إنها المدينة المباركة لحديث البخاريِّ: "اللهمّ اجعل بالمدينة ضِعفيْ ما جعلتَ بمكّة من البركة" .
وفي المدينة روضة من رياض الجنة بين قبر ومنبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . وفوق هذا كلِّه إنها المدينة التي ضمّت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تَهفو إليها قلوب الموحِّدين وترحل إليها قوافل المؤمين شوقًا إلى حبيب ربِّ العالمين .
سلامُ الله يا بدرَ البدورِ **** عليكُمْ صاحب القدرِ الكبيرِ
سلامُ الله يا هادي فؤادي **** سلامُ الله من قلبٍ كسيرِ
على نوقٍ من الأشواقِ أحْدو **** ألا يا نوقُ للمختارِ سيري
لربعِ مدينةٍ ضاءتْ وفاحتْ **** بها الأطيابُ من أحلى عبيرِ
نزورُ اليومَ خيرَ الناس طُرًّا **** فارفع منه قدرًا لنْ تزوري
كيف لا تكون هذه الرحلة هي رحلة العُمْر ، وراحةُ العشّاق، يسيرُ الركبُ يحدوهُ الهُيامُ، وتجري دموع الحبِّ بانسجامٍ لبيت الله الحرامِ، لمحمّدٍ خيرِ الأنامِ بدرِ التمامِ.
هذا وأستغفر الله لي ولكم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَّ ولا ندَّ له، وأشهد أنَّ سيّدنا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلّى الله عليه وسلّم وعلى كلِّ رسول أرسله.
أما بعد عباد الله، فإنّي أوصيكم ونفسي بتقوى الله. وأذكر لكم أنّه وبعد أن انتهى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام من بناء الكعبة أمره الله تعالى بأن ينادي في الحجِّ ، قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. سورة الحج/27. فقال إبراهيم: {يا ربِّ كيف أُسْمِعُهُم} فقال الله له: {عليّ البلاغ} أي أنا أُسْمِعُهُم، (وكلام الله ليس ككلامنا فليس صوتًا ولا حرفًا ولا لغة) فنادى سيِّدنا إبراهيم عليه السلام في مكانه: "يا أيها الناس إنّ الله كتب عليكم الحجَّ" فسمع كل روحٍ يحجّ إلى يوم القيامة صوت إبراهيم عليه السلام. (المستدرك 2/421 وقال صحيح).
ها هو موسم الحجِّ قد أقبل فاختلجت له القلوب في صدور المؤمنين الصادقين الصالحين، وتَهيّأ من تيسّر لهم الأمر لرحلة العمر لأداء هذه الفريضة المعظّمة، وزيارة تلك الرحاب المقدّسة التي كان فيها سيِّد المرسلين وخير النبيين سيِّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم.
وبقيت قلوب يعتريها الأسى واللوعة ويغمرها الشوق والحنين بغية السفر لأداء هذه الفريضة العظيمة في عام قادم لا ندري أيقبل ونحن أحياء أم نكون تحت أطباق الثرى.
ويشدُّ المؤمنون الرحال فلا يستبعدون من حبِّهم بعيدًا، عرفوا قدر الآخرة فهان عليهم التعب وطوّعوا أنفسهم، خافوا الوعيد فقرب عليهم البعيد.
عباد الله، ثَمّة رجال قصدوا الحجّ مشيًا على الأقدام، منهم رجلٌ يقال له إبراهيم بن أدهم الذي رءاه رجل على ناقته فقال له: إلى أين يا إبراهيم؟ قال إبراهيم: أريد الحجّ. فقال الرجل: ولكنّ الطريق بعيدٌ أين الراحلة؟ فقال إبراهيم: لي مراكبُ كثيرة ولكنّك لا تراها. فقال الرجل: أين هي؟ فقال إبراهيم: إذا نزلتْ بي مصيبةٌ ركبتُ مركِب الصبر، إذا نزلت بي نِعمةٌ ركبت مركِب الشكر، وإذا نزل القضاء ركبت مركِب الرضا، وإذا دعتني نفسي إلى شىء علمتُ أنه ما بقي من الأجل إلا قليل. فقال الرجل: سر بإذن الله فوالله أنت الراكب وأنا الماشي.
هناك تَنال النفوس مطلبها، وتجد الأرواح المشتاقة ترياقها وبلسمها، هناك يطوف الناس بالبيت العتيق، يطوفون ببيت الله الحرام ولسان حالهم يقول: يا ربُّ مهما دُرْنا واستَدَرْنا لا ملجأ لنا إلا إليك، هناك عندما تستلم الحجر الأسود وتقبّله تستحضر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مسّت شفتاه هذا الحجر.
هناك إذا صلّيتَ أمام الكعبة ورفعتَ رأسك من السجود فطالعتكَ أنوارُ الكعبة، وتنسّمْتَ عبق شذاها، ستجدُ مرّةً أخرى شاهدًا بأنك عبدٌ لربِّ هذا البيت.
هناك عندما تسعى بين الصفا والمروة تستحضر قصّة سيِّدتنا هاجر وولدها إسماعيل لَمّا تركهُما إبراهيم عليه السلام وكان المكان قفرًا صحراء فسألتْه مِرارًا: "يا إبراهيم أين تتركُنا في هذا المكان الذي ليس فيه سَميرٌ ولا أنيسٌ" وكان يريد أن يطيع الله فيما أمره فقالت له: الله أمرك بهذا ؟ فقال نعم.
فقالت له بلسان اليقين : "إذًا لا يُضيِّعُنا" وأظهر الله لها الماء السلسبيل العذب ماء زمزم.
وبثياب الإحرام البيضاء يزدحم الناس في عرفات يدعون الله ويبتهلون له فإنه يومُ عرفة حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ما رؤي الشيطان أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا أنّ الرحمة تنْزل فيه فيتجاوز عن الذنوب العظام".
وبعد ذلك كلِّه لا بدّ من حطِّ الرحال في تلك المدينة المنوّرة التي هي أفضل بلاد الله بعد مكّة المكرّمة، إنها المدينة التي كان يقول فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ الإيمان ليأرِزُ إلى المدينة كما تأرِزُ الحيّة إلى جحرها" .
إنها المدينة التي لا يدخلها الأعورُ الدجال بل يكون على مداخلها ملائكة يمنعونه من دخولها.
إنها المدينة المباركة لحديث البخاريِّ: "اللهمّ اجعل بالمدينة ضِعفيْ ما جعلتَ بمكّة من البركة" .
وفي المدينة روضة من رياض الجنة بين قبر ومنبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . وفوق هذا كلِّه إنها المدينة التي ضمّت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تَهفو إليها قلوب الموحِّدين وترحل إليها قوافل المؤمين شوقًا إلى حبيب ربِّ العالمين .
سلامُ الله يا بدرَ البدورِ **** عليكُمْ صاحب القدرِ الكبيرِ
سلامُ الله يا هادي فؤادي **** سلامُ الله من قلبٍ كسيرِ
على نوقٍ من الأشواقِ أحْدو **** ألا يا نوقُ للمختارِ سيري
لربعِ مدينةٍ ضاءتْ وفاحتْ **** بها الأطيابُ من أحلى عبيرِ
نزورُ اليومَ خيرَ الناس طُرًّا **** فارفع منه قدرًا لنْ تزوري
كيف لا تكون هذه الرحلة هي رحلة العُمْر ، وراحةُ العشّاق، يسيرُ الركبُ يحدوهُ الهُيامُ، وتجري دموع الحبِّ بانسجامٍ لبيت الله الحرامِ، لمحمّدٍ خيرِ الأنامِ بدرِ التمامِ.
هذا وأستغفر الله لي ولكم