دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه
ولاية عبدالله بن سعد بن أبي سرح على مصر كانت سببا من اسباب قتله
وكان السبب في ذلك أن عمرو بن العاص حين عزله عثمان عن مصر وولى عليها عبدالله بن سعد بن أبي سرح. وكان سبب ذلك أن الخوارج من المصريين كانوا محصورين من عمرو بن العاص مقهورين معه لا يستطيعون أن يتكلموا بسوء في خليفة ولا أمير فما زالوا يعلموم عليه حتى شكوه إلى عثمان ؛ لينزعه عنهم ويولى عليهم من هو ألين منه فلم يزل ذلك دأبهم حتى عزل عمرا عن الحرب وتركه على الصلاة وولى على الحرب والخراج عبدالله بن سعد بن أبي سرح ثم سعوا فيما بينهما بالنميمة فوقع بينهما حتى كان بينهما كلام قبيح فأرسل عثمان فجمع لابن أبي سرح جميع عمالة مصر؛ خراجها وحربها وصلاتها وبعث إلى عمرو يقول له: لا خير لك في المقام عند من يكرهك فاقدم إلي. فانتقل عمرو بن العاص إلى المدينة وفي نفسه من عثمان أمر عظيم وشر كبير فكلمه فيما كان من أمره بنفس وتقاولا في ذلك وافتخر عمرو بن العاص بأبيه على أبي عثمان وأنه كان أعز منه فقال له عثمان: دع هذا فإنه من أمر الجاهلية. وجعل عمرو بن العاص يؤلب الناس على عثمان. وكان بمصر جماعة يبغضون عثمان ويتكلمون فيه بكلام قبيح -على ما قدمنا- وينقمون عليه في عزله جماعة من علية الصحابة وتوليته من دونهم أو من لا يصلح عندهم للولاية. وكره أهل مصر عبدالله بن سعد بن أبي سرح بعد عمرو بن العاص واشتغل عبدالله بن سعد عنهم بقتال أهل المغرب وفتحه بلاد البربر والأندلس وإفريقية.
ذهاب محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة لقتل الخليفة عثمان
ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه والإنكار عليه وكان عظم ذلك مسندا إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة حتى استنفرا نحوا من ستمائة راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب؛ لينكروا على عثمان فساروا إليها تحت أربع رفاق وأمر الجميع إلى أبي عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعبدالرحمن بن عديس البلوى وكنانة بن بشر التجيبي وسودان بن حمران السكوني .
وأقبل معهم محمد بن أبي بكر وأقام بمصر محمد بن أبي حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء وكتب عبدالله بن سعد بن أبي سرح إلى عثمان يعلمه بقدوم هؤلاء القوم إلى المدينة منكرين عليه في صفة معتمرين فلما اقتربوا من المدينة أمر عثمان علي بن أبي طالب أن يخرج إليهم؛ ليردهم إلى بلادهم قبل أن يدخلوا المدينة . ويقال: بل ندب الناس إليهم فانتدب علي رضي الله عنه لذلك فبعثه وخرج معه جماعة الأشراف وأمره أن يأخذ معه عمار بن ياسر فقال علي لعمار فأبى عمار أن يخرج معه فبعث عثمان سعد بن أبي وقاص أن يذهب إلى عمار ليحرضه على الخروج مع علي إليهم فأبى عمار كل الإباء وامتنع أشد الامتناع وكان متغضبا على عثمان بسبب تأديبه له على أمر وضربه إياه في ذلك وذلك بسبب شتمه عباس بن عتبة بن أبي لهب فأدبهما عثمان .
الأسباب التى أدت إلى قتل عثمان منها أنه حرق القرآن
فتآمر عمار عليه لذلك وجعل يحرض الناس عليه فنهاه سعد بن أبي وقاص عن ذلك ولامه عليه فلم يقلع عنه ولم يرجع ولم ينزع فانطلق علي بن أبي طالب إليهم وهم بالجحفة وكانوا يعظمونه ويبالغون في أمره فردهم وأنبهم وشتمهم فرجعوا على أنفسهم بالملامة وقالوا: هذا الذي تحاربون الأمير بسببه وتحتجون عليه به. ويقال: إنه ناظرهم في عثمان وسألهم ماذا ينقمون عليه؟ فذكروا أشياء؛ منها أنه
حمى الحمى وأنه
حرق المصاحف وأنه
أتم الصلاة وأنه
ولى الأحداث الولايات وترك الصحابة الأكابر،
وأعطى بني أمية أكثر من الناس
فأجاب علي عن ذلك فقال: أما الحمى فإنما حماه لإبل الصدقة لتسمن ولم يحمه لإبله ولا لغنمه وقد حماه عمر من قبله
وأما المصاحف فإنما حرق ما وقع فيه اختلاف، وأبقى لهم المتفق عليه كما ثبت في العرضة الأخيرة
وأما إتمامه الصلاة بمكة فإنه كان قد تأهل بها ونوى الإقامة فأتمها،
وأما توليته الأحداث فلم يول إلا رجلا سويا عدلا وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة وهو ابن عشرين سنة وولى أسامة بن زيد بن حارثة وطعن الناس في إمارته فقال: إنه لخليق للإمارة .
وأما إيثاره قومه بني أمية فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثر قريشا على الناس، ووالله لو أن مفتاح الجنة بيدي لأدخلت بني أمية إليها.
ويقال: إنهم عتبوا عليه في عمار ومحمد بن أبي بكر. فذكر عثمان عذره في ذلك وأنه أقام فيهما ما كان يجب عليهما. وعتبوا عليه في إيوائه الحكم بن أبي العاص وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد نفاه إلى الطائف ثم رده ثم نفاه إليها، قال: فقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رده.
وقال شهيد الكلمة فرج فودة فى كتابه الحقيقة الغائبة عن معاملة المسلمين لعثمان بن عفان قبل قتله : " حتى يصل الأمر إلى خطف السيف من يده وكسره نصفين ، وإلى قذفه بالحجارة وهو على المنبر حتى يغشى عليه ، وإلى محاصرته ومنع المياه عنه ، بل أن يرسل إليه الأشترالنخعى خطاباً يفتتحه بالعبارة التالية :
" من مالك بن الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره "
إهانة عثمان بن عفان (نعثلاً )
قال محمد بن عمر: وحدثني محمد بن صالح عن عبد الله بن رافع بن نقاخة عن عثمان بن الشريد قال: مر عثمان بن عفان علي جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره فقال جبلة لعثمان: " يا نعثل، والله لأقتلنك ولأحملنك علي قلوص جرباء ولأخرجنك الي حرة النار". ثم جاءه مرة أخري وعثمان علي المنبر فانزله عنه " تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 661
ويقول أبو بكر بن اسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد قال: كان أول من اجترأ علي عثمان بالمنطق السيئ جبلة بن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو جالس في ندى قومه وفي يد جبلة جامعة، فلما مر عثمان سلم فرد القوم، فقال جبلة: " لمَ تردون علي رجل فعل كذا وكذا!! " قال: ثم أقبل علي عثمان فقال: " والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه ". قال عثمان: " أي بطانة! فوالله اني لأتخير الناس "، فقال: " مروان تخيرته! ومعاوية تخيرته! وعبد الله بن عامر بن كُريز تخيرته! وعبد الله بن سعد تخيرته! منهم من نزل القرآن بدمه، واباح رسول الله دمه "
قال محمد بن عمر: وحدثني ابن أبي الزناد عن موسى بن عُقبة عن أبي حبيبة قال: خطب عثمان الناس في بعض أيامه فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، إنك قد ركبت نهابير وركبناها معك، فتب نتب. فاستقبل عثمان القبلة وشهر يديه - قال ابو حبيبة: فلم أر يوماً أكثر باكيا ولا باكية من يومئذ – ثم لما كان بعد ذلك خطب الناس فقام اليه جهجاه الغفاري فصاح: يا عثمان، ألا إن هذه شارف قد جئنا بها، عليها عباءة وجامعة، فانزل فلندرعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك علي الشارف، ثم نطرحك في جبل الدخان، فقال عثمان: قبحك الله وقبح ما جئت به! قال ابو حبيبة: ولم يكن ذلك منه إلا عن ملإ من الناس، وقام إلي عثمان خيرته وشيعته من بني أمية فحملوه فأدخلوه الدار
محاوله مقتــــــــل عثمان بن عفــــــــــــان
الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 668، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 64] يوم الجمعة 8 من ذي الحجة سنة 35 هـ.
قال ابن عديس لأصحابه: لا تتركوا أحدًا يدخل على عثمان ولا يخرج من عنده. وأصرَّ المصريون على قتله. وقصدوا الباب فمنعهم الحسن، وابن الزبير، ومحمد بن طلحة، ومروان، وسعيد بن العاص، ومن معهم من أبناء الصحابة. واجتلدوا اجتلدوا: تضاربوا. ، فزجرهم عثمان وقال: أنتم في حلٍّ من نصرتي، فأبوا، ففتح الباب لمنعهم. فلما خرج ورآه المصريون رجعوا فركبهم هؤلاء، وأقسم عثمان على أصحابه ليدخلن، فدخلوا، فأغلق الباب دون المصريين.
فقام رجل من أسلم يقال له نيار بن عياض وكان من الصحابة، فنادى عثمان، فبينا هو يناشده أن يعتزلهم إذ رماه كثير بن الصلب الكندي بسهم فقتله. فقالوا لعثمان عند ذلك: ادفع إلينا قاتله لنقتله به. قال: لم أكن لأقتل رجلًا نصرني وأنتم تريدون قتلي. فلما رأوا ذلك ثاروا إلى الباب، فلم يمنعهم أحد منه، والباب مغلق، لا يقدرون على الدخول منه، فجاءوا بنار، فأحرقوه. وثار أهل الدار وعثمان يصلي قد افتتح [طه: 1]، فما شغله ما سمع ما يخطئ وما يتتعتع حتى أتى عليها. فلما فرغ جلس إلى المصحف يقرأ فيه وقرأ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] فقال لمن عنده بالدار: إن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ قد عهد إليَّ عهدًا فأنا صابر عليه. ولم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه.
اقتحم الناس الدار من الدورة التي حولها حتى ملؤوها ولا يشعر الذين بالباب ممن وقفوا [ص 180] للدفاع. وأقبلت القبائل على أبنائهم فذهبوا بهم إذ غلبوا على أميرهم وندبوا رجلًا لقتله، فانتدب له رجل فدخل عليه البيت فقال: "اخلعها وندعك."
فقال: "ويحك، واللَّه ما كشفت امرأة في جاهلية ولا إسلام، ولا تغنيتُ ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، ولست خالعًا قميصًا كسانيه اللَّه عز وجل، وأنا على مكاني حتى يُكرم اللَّه أهل السعادة ويُهين أهل الشقاء".
فخرج وقالوا: ما صنعت؟ فقال: عَلِقنا واللَّه، واللَّه ما ينجينا من الناس إلا قتله، وما يحل لنا قتله.
فأدخلوا عليه رجلًا من بني ليث. فقال: ممن الرجل؟ فقال: ليثي. فقال: لست بصاحبي. قال: وكيف؟ فقال: ألست الذي دعا لك النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في نفر أن تحفظوا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى. قال: فلن تضيع، فرجع وفارق القوم.
فأدخلوا عليه رجلًا من قريش، فقال: يا عثمان إني قاتلك؟. قال: كلا يا فلان لا تقتلني. قال: وكيف؟ قال: إن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ استغفر لك يوم كذا وكذا، فلن تقارف دمًا حرامًا. فاستغفر ورجع وفارق أصحابه.
فأقبل عبد اللَّه بن سلام (أصلاً يهودى) حتى قام على الباب ينهاهم عن قتله وقال:
"يا قوم، لا تسلّوا سيف اللَّه بينكم. فواللَّه إن سللتموه لا تغمدوه، ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرَّة، فإن قتلتموه لا يقوم إلا بالسيف. ويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة اللَّه. واللَّه لئن قتلتموه لتتركنها" [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 668، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 64].
فقالوا: يا ابن اليهودية، وما أنت وهذا فرجع عنهم.
وروي عن عبد اللَّه بن عمير عن ابن أخي عبد اللَّه بن سلام قال:
لما أُريد قتل عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ جاء عبد اللَّه بن سلام فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرك. قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني فإنك خارج خير إليَّ منك داخل. فخرج عبد اللَّه إلى الناس فقال:
، قالوا: اقتلوا اليهودي.
وكان آخر من دخل عليه ممن رجع إلى القوم محمد بن أبي بكر. فقال له عثمان:
"ويلك على اللَّه تغضب؟ هل لي إليك جُرم إلا حق أخذته منك؟ ورجع.
فلما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا انكساره، ثار قتيرة وسودان بن حُمران والغافقي فضربه الغافقي بحديدة معه، وضرب المصحف برجله، فاستدار المصحف فاستقر بين يديه، وسالت عليه الدماء. وجاء سودان بن حمران ليضربه، فانكبت عليه زوجة عثمان نائلة، واتقت السيف بيدها، فتغمدها ونفح أصابعها. فأطن أصابع يدها، فغمز أوراكها، وقال: إنها لكبيرة العجيزة. وضرب عثمان فقتله، ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه، وقد كان عثمان أعتق من كف منهم، فلما رأوا سودان قد ضربه أهوى له بعضهم، فضرب عنقه، فقتله، ووثب قتيرة على الغلام فقتله، وانتهبوا ما في البيت، وأخرجوا من فيه، ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 676، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 68].
فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فقتله، ودار القوم فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء، وأخذ رجل مُلاءة نائلة، والرجل يدعى كلثوم بن تجيب، فتنحَّت نائلة. فقال: وَيحَ أمك من عجيزة ما أتمك، وبصر به غلام لعثمان فقتله، وقُتل، وتنادى القوم أبصر رجل من صاحبه وتنادوا في الدار: أدركوا بيت المال لا تسبقوا إليه، وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم، وليس فيه إلا غِرارتان. فقالوا: النجاء، فإن القوم إنما يحاولون الدنيا، فهربوا، وأتوا بيت المال، فانتهبوه، وماج الناس فيه، فالتانئ يسترجع ويبكي، والطارئ يفرح، وندم القوم.
وكان الزبير قد خرج من المدينة، فأقام على طريق مكة لئلا يشهد مقتله. فلما أتاه الخبر بمقتل عثمان وهو بحيث هو قال: "إنا للَّه وإنا إليه راجعون، رحم اللَّه عثمان وانتصر له". وأتى الخبر طلحة فقال: "رحم اللَّه عثمان وانتصر له وللإسلام". وقيل له: إن القوم نادمون. فقال: تبًَّا لهم، وقرأ: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِم يَرْجِعُونَ} [يس: 50] [ص 182].
وأُتِيَ عليٌّ فقيل: قُتل عثمان فقال: "رحم اللَّه عثمان وخلف علينا بخير". وقيل: ندم القوم فقرأ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ....} [الحشر: 16]. الآية. وطُلب سعد فإذا هو في حائطه وقد قال: لا أشهد قتله. فلما جاء قتله، قال: فررنا من المدينة فدنينا وقرأ: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، اللَّهم أندمهم ثم خذهم [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 676].
روايـــــــــــــة أخرى لقتل عثمان بن عفـــــــــــان
وفي رواية أخرى [الطبري تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص ، 677]
إن محمد بن أبي بكر تسوَّر على عثمان من دار عمرو بن حزم، ومعه كنانة بن بشر بن عتّاب، وسودان بن حُمران، وعمرو بن الحمق، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة، وهو يقرأ في المصحف {سورة البقرة} فتقدمهم محمد بن أبي بكر، فأخذ بلحية عثمان فقال:
قد أخزاك اللَّه يا نَعْثَل [نَعْثَل: هو اسم رجل قبطي كان بالمدينة، عظيم اللحية يشبهون به عثمان لعظيم لحيته، ولم يكونوا يجدون فيه عيبًا سوى هذا].
فقال عثمان: لستُ بنعثل، ولكن عبد اللَّه وأمير المؤمنين. فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان. فقال عثمان: يا ابن أخي دعْ عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه. فقال محمد: ما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك. فقال عثمان: أستنصر اللَّه عليك وأستعين به. ثم طعن جبينه بمِشْقَص في يده. ورفع كنانة بن بشر بن عتّاب مشاقص كانت في يده فَوَجَأَ بها في أصل أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حَلقه، ثم علاه بالسيف حتى قتله. وقيل: ضرب كنانة بن بشر جبينه ومُقَدم رأسه بعمود، فخرَّ لجنبه. وضربه سودان بن حُمران المرادي بعد ما خرَّ لجنبه فقتله. .
قال ابن الأثير في أسد الغابة عن عمرو ابن الحَمِق: وهو أحد الأربعة الذين دخلوا على عثمان الدار وصار بعد ذلك من شيعة عليّ. وقيل: أول رأس حمل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق إلى معاوية] فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال: أما ثلاث منهن فإني طعنتهن للَّه. وأما ست فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه [ص 183].
رواية ثالثة عن مقتل عثمان بن عفان
وعن جدة الزبير بن عبد اللَّه قالت [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 671]:
لما ضربه المشاقص قال عثمان: "بسم اللَّه توكلت على اللَّه"، وإذا الدم يسيل على اللحية يقطر والمصحف بين يديه فاتكأ على شقه الأيسر وهو يقول: "سبحان اللَّه العظيم" وهو في ذلك يقرأ المصحف والدم يسيل على المصحف حتى وقف الدم عند قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137]. وأطبق المصحف وضربوه جميعًا ضربة واحدة. فضربوه واللَّه بأبي وهو يحيي الليل في ركعة، ويصل الرحم، ويُطعم الملهوف، ويحمل الكَلَّ، فرحمه اللَّه".
رواية رابعه عن مقتل عثمان بن عفان
وعن الزهري قال [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 68].
قُتل عثمان عند صلاة العصر، وشدَّ عبدٌ لعثمان أسود على كنانة بن بشر فقتله. وشدَّ سودان على العبد فقتله. ودخلت الغوغاء دار عثمان فصاح إنسان منهم: أيحل دم عثمان ولا يحل ماله؟ فانتهبوا متاعه. فقامت نائلة فقالت: لصوص ورب الكعبة! يا أعداء اللَّه ما ركبتم من دم عثمان أعظم. أما واللَّه لقد قتلتموه صوَّامًا قوَّامًا يقرأ القرآن في ركعة. ثم خرج الناس من دار عثمان فأغلق بابه على ثلاثة قتلى هم : عثمان. , وعبد عثمان الأسود.
, كنانة بن بشر.
وقد اختلف الرواة في حكاية محمد بن أبي بكر فذكر بعضهم أنه طعن جبين عثمان بمشقص كان في يده. وقيل: إن عثمان لما أمسك محمد لحيته قال له عثمان: أستنصر اللَّه عليك وأستعين به فتركه. وابن الأثير يرجح أنه تركه ولم يضربه.
وذكر ابن الأثير [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 67] أنهم أرادوا قطع رأسه فوقعت نائلة عليه وأم البنين، فصحن وضربن الوجوه. فقال ابن عديس: اتركوه. وأقبل عمير بن ضابئ فوثب عليه وكسر ضلعًا من أضلاعه وقال: سجنت أبي حتى مات في السجن.
وبلغ الخبر عليًا وطلحة والزبير وسعدًا فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر حتى دخلوا على عثمان فقال عليّ لابنيه: كيف يقتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب، ورفع يده فلطم الحسن، وضرب الحسين على صدره. وشتم محمد بن طلحة وعبد اللَّه بن الزبير، وخرج وهو غضبان [ص 184] حتى أتى منزله فجاء الناس يهرعون إليه يريدون مبايعته فقال: "واللَّه إني لأستحي أن أبايع قومًا قتلوا عثمان، وإني لأستحي من اللَّه تعالى أن أبايع وعثمان لم يدفن". فافترقوا، وتمت البيعة له.
وصف لمقتل عثمان بن عفان حينما كان يقرآ القرآن الذى أخترعه
لم يتوقع أحد من الصحابة أن يُقتل عثمان. أما الحسن والحسين ومن معهما فقد كانوا يحرسون بابه، ولكن القتلة تسوَّروا عليه من دار مجاورة لداره. لقد قتلوه قتلة شنيعة ترتعد منها الفرائص، ومثلوا به وهو يتلو القرآن، وكانت تلاوة القرآن نوعًا من العبادة، فضربه بعضهم بحديدة، وبعضهم ضربه بمشقص، وطعنه آخر بتسع طعنات، وكسر الآخر ضلعًا من أضلاعه. ولم يكتفوا بذلك بل تعدوا على امرأته المخلصة بالسيف وببذيء الكلام، وأرادوا قطع رأسه بعد أن فارق الحياة، ونهبوا أمتعة المنزل وما في بيت المال، ومنعوا عنه الماء أثناء الحصار حتى [ص 185]
من الذين قتلوا عثمــــــان ؟
والذين هجموا عليه واشتركوا في دمهم، منهم محمد بن أبي بكر، ورفاعة بن رافع، والحجاج بن غزنة، وعبد الرحمن بن خصل الجمحي، وكنانة بن بشر النخعي، وسندان بن حمران المرادي، وبسرة بن رهم، ومحمد بن أبي حذيفة، وابن عتيبة، وعمرو بن الحمق الخزاعي.
كتاب نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية
كتبت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ إلى معاوية كتابًا مع النعمان بن بشير وبعثت إليه بقميص عثمان مخضبًا بالدماء. وهذا هو نص كتابها:
من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان [ص 187].
"أما بعد، فإني أدعوكم إلى اللَّه الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام وهداكم من الضلالة. وأنقذكم من الكفر. ونصركم على العدو. وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. وأنشدكم اللَّه وأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه بعزم اللَّه عليكم فإنه قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فإن أمير المؤمنين بُغي عليه، ولو لم يكن لعثمان عليكم إلا حق الولاية لحق على كل مسلم يرجو إمامته أن ينصره، فكيف وقد علمتم قدمه في الإسلام، وحسن بلائه، وأنه أجاب اللَّه وصدق كتابه، واتبع رسوله، واللَّه أعلم به، إذ انتخبه فأعطاه شرف الدنيا وشرف الآخرة! وإني أقص عليكم خبره. إني شاهدة أمره كله. إن أهل المدينة حصروه في داره، وحرسوه ليلهم ونهارهم، قيامًا على أبوابه بالسلاح يمنعونه من كل شيء قدروا عليه حتى منعوه الماء، فمكث هو ومن معه خمسين ليلة وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وطلحة والزبير فأمروهم بقتله. وكان معهم من القبائل خزاعة وسعد بن بكر وهذيل وطوائف من جهينة ومزينة وأنباط يثرب. فهؤلاء كانوا أشد الناس عليه. ثم إنه حصر، فرشق بالنبل، فجرح ممن كان في الدار ثلاثة نفر. فأتاه الناس يصرخون إليه ليأذن لهم في القتال فنهاهم وأمرهم أن يردوا إليهم نبلهم فردوها عليهم. فما زادهم ذلك في القتل إلا جرأة وفي الأمر إلا إغراقًا فحرقوا باب الدار. ثم جاء نفر من أصحابه فقالوا: إن ناسًا يريدون أن يأخذوا من الناس بالعدل فاخرج إلى المسجد يأتوك فانطلق فجلس فيه ساعة وأسلحة القوم مطلة عليه من كل ناحية. فقال: ما أرى اليوم أحدًا يعدل. فدخل الدار وكان معهم نفر ليس على عامتهم سلاح. فلبس درعه وقال لأصحابه: لولا أنتم ما لبست اليوم درعي. فوثب عليه القوم فكلَّمهم ابن الزبير وأخذ عليهم ميثاقًا في صحيفة بعث بها إلى عثمان. عليكم عهد اللَّه وميثاقه أن لا تقربوه بسوء حتى تكلّموه وتخرجوا. فوضع السلاح، ودخل عليه القوم يقدمهم محمد بن أبي بكر. فأخذ بلحيته ودعوا باللقب. فقال: أنا عبد اللَّه وخليفته عثمان فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات وضربوه على مقدم العين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم، فسقطت عليه، قد أثخنوه وبه حياة، وهم يريدون أن يقطعوا رأسه فيذهبوا به فأتتني ابنة شيبة بن ربيعة فألقت بنفسها معي فوطئنا وطئًا شديدًا عُرِّينا من حلينا وحرمة أمير المؤمنين أعظم. فقتلوا أمير المؤمنين في بيته مقهورًا على فراشه. وقد أرسلت إليكم بثوبه عليه دمه فإنه واللَّه إن كان أثم من قتله فما سلم من خذله. فانظروا أين أنتم من اللَّه، وأنا أشتكي كل ما مسنا إلى اللَّه عز وجل وأستصرخ بصالحي عباده. فرحم اللَّه عثمان ولعن قتلته وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة وشفى منهم الصدور".
فحلف رجال من أهل الشام أن لا يمسوا غسلًا حتى يقتلوا عليًّا أو تفنى أرواحهم.
وهذا كتاب طويل ذكرت فيه زوجة عثمان تفاصيل قتله بعد أن فجعت بفقده، لكنها لم [ص 188] تذكر أسماء من باشروا القتل. وقد كانت نائلة من أخلص المخلصين لزوجها، ودافعت عنه بقدر طاقتها، وعرضت نفسها للقتل. وهكذا فليكن الوفاء والإخلاص. وقد حرضت معاوية والمسلمين بهذا الكتاب على الأخذ بالثأر.
ترك جثة عثمان بن عفان بلا دفن لمدة ثلاثة ايام
[الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 687، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 69]:
قيل: بقي عثمان ثلاثة أيام لم يدفن، ثم إن حكيم بن حزام وجبير بن مطعم، كلَّما عليًا في أن يأذن في دفنه، فقعدوا له في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله وغيرهم، وفيهم الزبير والحسن وأبو جهم بن حذيفة ومروان بين المغرب والعشاء، فأتوا به حائطًا من حيطان المدينة يسمى حَش كوكب [الحش: البستان. وحَش كوكب: موقع إلى جانب بقيع الغرقد بالمدينة]. وهو خارج البقيع فصلَّى عليه جبير بن مطعم، وخلفه حكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم الأسلمي، وجاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه، ثم تركوهم خوفًا من الفتنة.
وعن الربيع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه قال: كنت أحد حملة عثمان بن عفان حين توفي حملناه على باب، وإن رأسه يقرع الباب لإسراعنا به، وإن بنا من الخوف لأمرًا عظيمًا، حتى واريناه في قبره في حش كوكب.
وأرسل عليّ إلى من أراد أن يرجم سريره ممن جلس على الطريق لما سمع بهم فمنعهم عنه.
ونزل في قبره، بيان وأبو جهم وحبيب، وقيل: شهد جنازته علي وطلحة وزيد بن ثابت، وكعب بن مالك، وعامة من أصحابه.
وعن الحسن قال: شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه، وفي البخاري أنه لم يغسل.
مدة حياه عثمان بن عفان
[الطبري، تاريخ الأمم والملوك ]:
كانت مدة حياة عثمان على المشهور 82 سنة. قال الواقدي: لا خلاف عندنا أنه قُتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وهو قول أبي اليقظان.
الوالى الذى أرسله عثمان سنة وفاته لحكم مصر هو ولاية عبدالله بن سعد بن أبي سرح على مصرابن الأثير، الكامل في التاريخ
ولاية عبدالله بن سعد بن أبي سرح على مصر كانت سببا من اسباب قتله
وكان السبب في ذلك أن عمرو بن العاص حين عزله عثمان عن مصر وولى عليها عبدالله بن سعد بن أبي سرح. وكان سبب ذلك أن الخوارج من المصريين كانوا محصورين من عمرو بن العاص مقهورين معه لا يستطيعون أن يتكلموا بسوء في خليفة ولا أمير فما زالوا يعلموم عليه حتى شكوه إلى عثمان ؛ لينزعه عنهم ويولى عليهم من هو ألين منه فلم يزل ذلك دأبهم حتى عزل عمرا عن الحرب وتركه على الصلاة وولى على الحرب والخراج عبدالله بن سعد بن أبي سرح ثم سعوا فيما بينهما بالنميمة فوقع بينهما حتى كان بينهما كلام قبيح فأرسل عثمان فجمع لابن أبي سرح جميع عمالة مصر؛ خراجها وحربها وصلاتها وبعث إلى عمرو يقول له: لا خير لك في المقام عند من يكرهك فاقدم إلي. فانتقل عمرو بن العاص إلى المدينة وفي نفسه من عثمان أمر عظيم وشر كبير فكلمه فيما كان من أمره بنفس وتقاولا في ذلك وافتخر عمرو بن العاص بأبيه على أبي عثمان وأنه كان أعز منه فقال له عثمان: دع هذا فإنه من أمر الجاهلية. وجعل عمرو بن العاص يؤلب الناس على عثمان. وكان بمصر جماعة يبغضون عثمان ويتكلمون فيه بكلام قبيح -على ما قدمنا- وينقمون عليه في عزله جماعة من علية الصحابة وتوليته من دونهم أو من لا يصلح عندهم للولاية. وكره أهل مصر عبدالله بن سعد بن أبي سرح بعد عمرو بن العاص واشتغل عبدالله بن سعد عنهم بقتال أهل المغرب وفتحه بلاد البربر والأندلس وإفريقية.
ذهاب محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة لقتل الخليفة عثمان
ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه والإنكار عليه وكان عظم ذلك مسندا إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة حتى استنفرا نحوا من ستمائة راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب؛ لينكروا على عثمان فساروا إليها تحت أربع رفاق وأمر الجميع إلى أبي عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعبدالرحمن بن عديس البلوى وكنانة بن بشر التجيبي وسودان بن حمران السكوني .
وأقبل معهم محمد بن أبي بكر وأقام بمصر محمد بن أبي حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء وكتب عبدالله بن سعد بن أبي سرح إلى عثمان يعلمه بقدوم هؤلاء القوم إلى المدينة منكرين عليه في صفة معتمرين فلما اقتربوا من المدينة أمر عثمان علي بن أبي طالب أن يخرج إليهم؛ ليردهم إلى بلادهم قبل أن يدخلوا المدينة . ويقال: بل ندب الناس إليهم فانتدب علي رضي الله عنه لذلك فبعثه وخرج معه جماعة الأشراف وأمره أن يأخذ معه عمار بن ياسر فقال علي لعمار فأبى عمار أن يخرج معه فبعث عثمان سعد بن أبي وقاص أن يذهب إلى عمار ليحرضه على الخروج مع علي إليهم فأبى عمار كل الإباء وامتنع أشد الامتناع وكان متغضبا على عثمان بسبب تأديبه له على أمر وضربه إياه في ذلك وذلك بسبب شتمه عباس بن عتبة بن أبي لهب فأدبهما عثمان .
الأسباب التى أدت إلى قتل عثمان منها أنه حرق القرآن
فتآمر عمار عليه لذلك وجعل يحرض الناس عليه فنهاه سعد بن أبي وقاص عن ذلك ولامه عليه فلم يقلع عنه ولم يرجع ولم ينزع فانطلق علي بن أبي طالب إليهم وهم بالجحفة وكانوا يعظمونه ويبالغون في أمره فردهم وأنبهم وشتمهم فرجعوا على أنفسهم بالملامة وقالوا: هذا الذي تحاربون الأمير بسببه وتحتجون عليه به. ويقال: إنه ناظرهم في عثمان وسألهم ماذا ينقمون عليه؟ فذكروا أشياء؛ منها أنه
حمى الحمى وأنه
حرق المصاحف وأنه
أتم الصلاة وأنه
ولى الأحداث الولايات وترك الصحابة الأكابر،
وأعطى بني أمية أكثر من الناس
فأجاب علي عن ذلك فقال: أما الحمى فإنما حماه لإبل الصدقة لتسمن ولم يحمه لإبله ولا لغنمه وقد حماه عمر من قبله
وأما المصاحف فإنما حرق ما وقع فيه اختلاف، وأبقى لهم المتفق عليه كما ثبت في العرضة الأخيرة
وأما إتمامه الصلاة بمكة فإنه كان قد تأهل بها ونوى الإقامة فأتمها،
وأما توليته الأحداث فلم يول إلا رجلا سويا عدلا وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة وهو ابن عشرين سنة وولى أسامة بن زيد بن حارثة وطعن الناس في إمارته فقال: إنه لخليق للإمارة .
وأما إيثاره قومه بني أمية فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثر قريشا على الناس، ووالله لو أن مفتاح الجنة بيدي لأدخلت بني أمية إليها.
ويقال: إنهم عتبوا عليه في عمار ومحمد بن أبي بكر. فذكر عثمان عذره في ذلك وأنه أقام فيهما ما كان يجب عليهما. وعتبوا عليه في إيوائه الحكم بن أبي العاص وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد نفاه إلى الطائف ثم رده ثم نفاه إليها، قال: فقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رده.
وقال شهيد الكلمة فرج فودة فى كتابه الحقيقة الغائبة عن معاملة المسلمين لعثمان بن عفان قبل قتله : " حتى يصل الأمر إلى خطف السيف من يده وكسره نصفين ، وإلى قذفه بالحجارة وهو على المنبر حتى يغشى عليه ، وإلى محاصرته ومنع المياه عنه ، بل أن يرسل إليه الأشترالنخعى خطاباً يفتتحه بالعبارة التالية :
" من مالك بن الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره "
إهانة عثمان بن عفان (نعثلاً )
قال محمد بن عمر: وحدثني محمد بن صالح عن عبد الله بن رافع بن نقاخة عن عثمان بن الشريد قال: مر عثمان بن عفان علي جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره فقال جبلة لعثمان: " يا نعثل، والله لأقتلنك ولأحملنك علي قلوص جرباء ولأخرجنك الي حرة النار". ثم جاءه مرة أخري وعثمان علي المنبر فانزله عنه " تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 661
ويقول أبو بكر بن اسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد قال: كان أول من اجترأ علي عثمان بالمنطق السيئ جبلة بن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو جالس في ندى قومه وفي يد جبلة جامعة، فلما مر عثمان سلم فرد القوم، فقال جبلة: " لمَ تردون علي رجل فعل كذا وكذا!! " قال: ثم أقبل علي عثمان فقال: " والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه ". قال عثمان: " أي بطانة! فوالله اني لأتخير الناس "، فقال: " مروان تخيرته! ومعاوية تخيرته! وعبد الله بن عامر بن كُريز تخيرته! وعبد الله بن سعد تخيرته! منهم من نزل القرآن بدمه، واباح رسول الله دمه "
قال محمد بن عمر: وحدثني ابن أبي الزناد عن موسى بن عُقبة عن أبي حبيبة قال: خطب عثمان الناس في بعض أيامه فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، إنك قد ركبت نهابير وركبناها معك، فتب نتب. فاستقبل عثمان القبلة وشهر يديه - قال ابو حبيبة: فلم أر يوماً أكثر باكيا ولا باكية من يومئذ – ثم لما كان بعد ذلك خطب الناس فقام اليه جهجاه الغفاري فصاح: يا عثمان، ألا إن هذه شارف قد جئنا بها، عليها عباءة وجامعة، فانزل فلندرعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك علي الشارف، ثم نطرحك في جبل الدخان، فقال عثمان: قبحك الله وقبح ما جئت به! قال ابو حبيبة: ولم يكن ذلك منه إلا عن ملإ من الناس، وقام إلي عثمان خيرته وشيعته من بني أمية فحملوه فأدخلوه الدار
محاوله مقتــــــــل عثمان بن عفــــــــــــان
الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 668، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 64] يوم الجمعة 8 من ذي الحجة سنة 35 هـ.
قال ابن عديس لأصحابه: لا تتركوا أحدًا يدخل على عثمان ولا يخرج من عنده. وأصرَّ المصريون على قتله. وقصدوا الباب فمنعهم الحسن، وابن الزبير، ومحمد بن طلحة، ومروان، وسعيد بن العاص، ومن معهم من أبناء الصحابة. واجتلدوا اجتلدوا: تضاربوا. ، فزجرهم عثمان وقال: أنتم في حلٍّ من نصرتي، فأبوا، ففتح الباب لمنعهم. فلما خرج ورآه المصريون رجعوا فركبهم هؤلاء، وأقسم عثمان على أصحابه ليدخلن، فدخلوا، فأغلق الباب دون المصريين.
فقام رجل من أسلم يقال له نيار بن عياض وكان من الصحابة، فنادى عثمان، فبينا هو يناشده أن يعتزلهم إذ رماه كثير بن الصلب الكندي بسهم فقتله. فقالوا لعثمان عند ذلك: ادفع إلينا قاتله لنقتله به. قال: لم أكن لأقتل رجلًا نصرني وأنتم تريدون قتلي. فلما رأوا ذلك ثاروا إلى الباب، فلم يمنعهم أحد منه، والباب مغلق، لا يقدرون على الدخول منه، فجاءوا بنار، فأحرقوه. وثار أهل الدار وعثمان يصلي قد افتتح [طه: 1]، فما شغله ما سمع ما يخطئ وما يتتعتع حتى أتى عليها. فلما فرغ جلس إلى المصحف يقرأ فيه وقرأ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] فقال لمن عنده بالدار: إن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ قد عهد إليَّ عهدًا فأنا صابر عليه. ولم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه.
اقتحم الناس الدار من الدورة التي حولها حتى ملؤوها ولا يشعر الذين بالباب ممن وقفوا [ص 180] للدفاع. وأقبلت القبائل على أبنائهم فذهبوا بهم إذ غلبوا على أميرهم وندبوا رجلًا لقتله، فانتدب له رجل فدخل عليه البيت فقال: "اخلعها وندعك."
فقال: "ويحك، واللَّه ما كشفت امرأة في جاهلية ولا إسلام، ولا تغنيتُ ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، ولست خالعًا قميصًا كسانيه اللَّه عز وجل، وأنا على مكاني حتى يُكرم اللَّه أهل السعادة ويُهين أهل الشقاء".
فخرج وقالوا: ما صنعت؟ فقال: عَلِقنا واللَّه، واللَّه ما ينجينا من الناس إلا قتله، وما يحل لنا قتله.
فأدخلوا عليه رجلًا من بني ليث. فقال: ممن الرجل؟ فقال: ليثي. فقال: لست بصاحبي. قال: وكيف؟ فقال: ألست الذي دعا لك النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في نفر أن تحفظوا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى. قال: فلن تضيع، فرجع وفارق القوم.
فأدخلوا عليه رجلًا من قريش، فقال: يا عثمان إني قاتلك؟. قال: كلا يا فلان لا تقتلني. قال: وكيف؟ قال: إن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ استغفر لك يوم كذا وكذا، فلن تقارف دمًا حرامًا. فاستغفر ورجع وفارق أصحابه.
فأقبل عبد اللَّه بن سلام (أصلاً يهودى) حتى قام على الباب ينهاهم عن قتله وقال:
"يا قوم، لا تسلّوا سيف اللَّه بينكم. فواللَّه إن سللتموه لا تغمدوه، ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرَّة، فإن قتلتموه لا يقوم إلا بالسيف. ويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة اللَّه. واللَّه لئن قتلتموه لتتركنها" [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 668، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 64].
فقالوا: يا ابن اليهودية، وما أنت وهذا فرجع عنهم.
وروي عن عبد اللَّه بن عمير عن ابن أخي عبد اللَّه بن سلام قال:
لما أُريد قتل عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ جاء عبد اللَّه بن سلام فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرك. قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني فإنك خارج خير إليَّ منك داخل. فخرج عبد اللَّه إلى الناس فقال:
، قالوا: اقتلوا اليهودي.
وكان آخر من دخل عليه ممن رجع إلى القوم محمد بن أبي بكر. فقال له عثمان:
"ويلك على اللَّه تغضب؟ هل لي إليك جُرم إلا حق أخذته منك؟ ورجع.
فلما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا انكساره، ثار قتيرة وسودان بن حُمران والغافقي فضربه الغافقي بحديدة معه، وضرب المصحف برجله، فاستدار المصحف فاستقر بين يديه، وسالت عليه الدماء. وجاء سودان بن حمران ليضربه، فانكبت عليه زوجة عثمان نائلة، واتقت السيف بيدها، فتغمدها ونفح أصابعها. فأطن أصابع يدها، فغمز أوراكها، وقال: إنها لكبيرة العجيزة. وضرب عثمان فقتله، ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه، وقد كان عثمان أعتق من كف منهم، فلما رأوا سودان قد ضربه أهوى له بعضهم، فضرب عنقه، فقتله، ووثب قتيرة على الغلام فقتله، وانتهبوا ما في البيت، وأخرجوا من فيه، ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 676، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 68].
فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فقتله، ودار القوم فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء، وأخذ رجل مُلاءة نائلة، والرجل يدعى كلثوم بن تجيب، فتنحَّت نائلة. فقال: وَيحَ أمك من عجيزة ما أتمك، وبصر به غلام لعثمان فقتله، وقُتل، وتنادى القوم أبصر رجل من صاحبه وتنادوا في الدار: أدركوا بيت المال لا تسبقوا إليه، وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم، وليس فيه إلا غِرارتان. فقالوا: النجاء، فإن القوم إنما يحاولون الدنيا، فهربوا، وأتوا بيت المال، فانتهبوه، وماج الناس فيه، فالتانئ يسترجع ويبكي، والطارئ يفرح، وندم القوم.
وكان الزبير قد خرج من المدينة، فأقام على طريق مكة لئلا يشهد مقتله. فلما أتاه الخبر بمقتل عثمان وهو بحيث هو قال: "إنا للَّه وإنا إليه راجعون، رحم اللَّه عثمان وانتصر له". وأتى الخبر طلحة فقال: "رحم اللَّه عثمان وانتصر له وللإسلام". وقيل له: إن القوم نادمون. فقال: تبًَّا لهم، وقرأ: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِم يَرْجِعُونَ} [يس: 50] [ص 182].
وأُتِيَ عليٌّ فقيل: قُتل عثمان فقال: "رحم اللَّه عثمان وخلف علينا بخير". وقيل: ندم القوم فقرأ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ....} [الحشر: 16]. الآية. وطُلب سعد فإذا هو في حائطه وقد قال: لا أشهد قتله. فلما جاء قتله، قال: فررنا من المدينة فدنينا وقرأ: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، اللَّهم أندمهم ثم خذهم [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 676].
روايـــــــــــــة أخرى لقتل عثمان بن عفـــــــــــان
وفي رواية أخرى [الطبري تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص ، 677]
إن محمد بن أبي بكر تسوَّر على عثمان من دار عمرو بن حزم، ومعه كنانة بن بشر بن عتّاب، وسودان بن حُمران، وعمرو بن الحمق، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة، وهو يقرأ في المصحف {سورة البقرة} فتقدمهم محمد بن أبي بكر، فأخذ بلحية عثمان فقال:
قد أخزاك اللَّه يا نَعْثَل [نَعْثَل: هو اسم رجل قبطي كان بالمدينة، عظيم اللحية يشبهون به عثمان لعظيم لحيته، ولم يكونوا يجدون فيه عيبًا سوى هذا].
فقال عثمان: لستُ بنعثل، ولكن عبد اللَّه وأمير المؤمنين. فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان. فقال عثمان: يا ابن أخي دعْ عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه. فقال محمد: ما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك. فقال عثمان: أستنصر اللَّه عليك وأستعين به. ثم طعن جبينه بمِشْقَص في يده. ورفع كنانة بن بشر بن عتّاب مشاقص كانت في يده فَوَجَأَ بها في أصل أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حَلقه، ثم علاه بالسيف حتى قتله. وقيل: ضرب كنانة بن بشر جبينه ومُقَدم رأسه بعمود، فخرَّ لجنبه. وضربه سودان بن حُمران المرادي بعد ما خرَّ لجنبه فقتله. .
قال ابن الأثير في أسد الغابة عن عمرو ابن الحَمِق: وهو أحد الأربعة الذين دخلوا على عثمان الدار وصار بعد ذلك من شيعة عليّ. وقيل: أول رأس حمل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق إلى معاوية] فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال: أما ثلاث منهن فإني طعنتهن للَّه. وأما ست فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه [ص 183].
رواية ثالثة عن مقتل عثمان بن عفان
وعن جدة الزبير بن عبد اللَّه قالت [الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 671]:
لما ضربه المشاقص قال عثمان: "بسم اللَّه توكلت على اللَّه"، وإذا الدم يسيل على اللحية يقطر والمصحف بين يديه فاتكأ على شقه الأيسر وهو يقول: "سبحان اللَّه العظيم" وهو في ذلك يقرأ المصحف والدم يسيل على المصحف حتى وقف الدم عند قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137]. وأطبق المصحف وضربوه جميعًا ضربة واحدة. فضربوه واللَّه بأبي وهو يحيي الليل في ركعة، ويصل الرحم، ويُطعم الملهوف، ويحمل الكَلَّ، فرحمه اللَّه".
رواية رابعه عن مقتل عثمان بن عفان
وعن الزهري قال [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 68].
قُتل عثمان عند صلاة العصر، وشدَّ عبدٌ لعثمان أسود على كنانة بن بشر فقتله. وشدَّ سودان على العبد فقتله. ودخلت الغوغاء دار عثمان فصاح إنسان منهم: أيحل دم عثمان ولا يحل ماله؟ فانتهبوا متاعه. فقامت نائلة فقالت: لصوص ورب الكعبة! يا أعداء اللَّه ما ركبتم من دم عثمان أعظم. أما واللَّه لقد قتلتموه صوَّامًا قوَّامًا يقرأ القرآن في ركعة. ثم خرج الناس من دار عثمان فأغلق بابه على ثلاثة قتلى هم : عثمان. , وعبد عثمان الأسود.
, كنانة بن بشر.
وقد اختلف الرواة في حكاية محمد بن أبي بكر فذكر بعضهم أنه طعن جبين عثمان بمشقص كان في يده. وقيل: إن عثمان لما أمسك محمد لحيته قال له عثمان: أستنصر اللَّه عليك وأستعين به فتركه. وابن الأثير يرجح أنه تركه ولم يضربه.
وذكر ابن الأثير [ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 67] أنهم أرادوا قطع رأسه فوقعت نائلة عليه وأم البنين، فصحن وضربن الوجوه. فقال ابن عديس: اتركوه. وأقبل عمير بن ضابئ فوثب عليه وكسر ضلعًا من أضلاعه وقال: سجنت أبي حتى مات في السجن.
وبلغ الخبر عليًا وطلحة والزبير وسعدًا فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر حتى دخلوا على عثمان فقال عليّ لابنيه: كيف يقتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب، ورفع يده فلطم الحسن، وضرب الحسين على صدره. وشتم محمد بن طلحة وعبد اللَّه بن الزبير، وخرج وهو غضبان [ص 184] حتى أتى منزله فجاء الناس يهرعون إليه يريدون مبايعته فقال: "واللَّه إني لأستحي أن أبايع قومًا قتلوا عثمان، وإني لأستحي من اللَّه تعالى أن أبايع وعثمان لم يدفن". فافترقوا، وتمت البيعة له.
وصف لمقتل عثمان بن عفان حينما كان يقرآ القرآن الذى أخترعه
لم يتوقع أحد من الصحابة أن يُقتل عثمان. أما الحسن والحسين ومن معهما فقد كانوا يحرسون بابه، ولكن القتلة تسوَّروا عليه من دار مجاورة لداره. لقد قتلوه قتلة شنيعة ترتعد منها الفرائص، ومثلوا به وهو يتلو القرآن، وكانت تلاوة القرآن نوعًا من العبادة، فضربه بعضهم بحديدة، وبعضهم ضربه بمشقص، وطعنه آخر بتسع طعنات، وكسر الآخر ضلعًا من أضلاعه. ولم يكتفوا بذلك بل تعدوا على امرأته المخلصة بالسيف وببذيء الكلام، وأرادوا قطع رأسه بعد أن فارق الحياة، ونهبوا أمتعة المنزل وما في بيت المال، ومنعوا عنه الماء أثناء الحصار حتى [ص 185]
من الذين قتلوا عثمــــــان ؟
والذين هجموا عليه واشتركوا في دمهم، منهم محمد بن أبي بكر، ورفاعة بن رافع، والحجاج بن غزنة، وعبد الرحمن بن خصل الجمحي، وكنانة بن بشر النخعي، وسندان بن حمران المرادي، وبسرة بن رهم، ومحمد بن أبي حذيفة، وابن عتيبة، وعمرو بن الحمق الخزاعي.
كتاب نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية
كتبت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ إلى معاوية كتابًا مع النعمان بن بشير وبعثت إليه بقميص عثمان مخضبًا بالدماء. وهذا هو نص كتابها:
من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان [ص 187].
"أما بعد، فإني أدعوكم إلى اللَّه الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام وهداكم من الضلالة. وأنقذكم من الكفر. ونصركم على العدو. وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. وأنشدكم اللَّه وأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه بعزم اللَّه عليكم فإنه قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فإن أمير المؤمنين بُغي عليه، ولو لم يكن لعثمان عليكم إلا حق الولاية لحق على كل مسلم يرجو إمامته أن ينصره، فكيف وقد علمتم قدمه في الإسلام، وحسن بلائه، وأنه أجاب اللَّه وصدق كتابه، واتبع رسوله، واللَّه أعلم به، إذ انتخبه فأعطاه شرف الدنيا وشرف الآخرة! وإني أقص عليكم خبره. إني شاهدة أمره كله. إن أهل المدينة حصروه في داره، وحرسوه ليلهم ونهارهم، قيامًا على أبوابه بالسلاح يمنعونه من كل شيء قدروا عليه حتى منعوه الماء، فمكث هو ومن معه خمسين ليلة وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وطلحة والزبير فأمروهم بقتله. وكان معهم من القبائل خزاعة وسعد بن بكر وهذيل وطوائف من جهينة ومزينة وأنباط يثرب. فهؤلاء كانوا أشد الناس عليه. ثم إنه حصر، فرشق بالنبل، فجرح ممن كان في الدار ثلاثة نفر. فأتاه الناس يصرخون إليه ليأذن لهم في القتال فنهاهم وأمرهم أن يردوا إليهم نبلهم فردوها عليهم. فما زادهم ذلك في القتل إلا جرأة وفي الأمر إلا إغراقًا فحرقوا باب الدار. ثم جاء نفر من أصحابه فقالوا: إن ناسًا يريدون أن يأخذوا من الناس بالعدل فاخرج إلى المسجد يأتوك فانطلق فجلس فيه ساعة وأسلحة القوم مطلة عليه من كل ناحية. فقال: ما أرى اليوم أحدًا يعدل. فدخل الدار وكان معهم نفر ليس على عامتهم سلاح. فلبس درعه وقال لأصحابه: لولا أنتم ما لبست اليوم درعي. فوثب عليه القوم فكلَّمهم ابن الزبير وأخذ عليهم ميثاقًا في صحيفة بعث بها إلى عثمان. عليكم عهد اللَّه وميثاقه أن لا تقربوه بسوء حتى تكلّموه وتخرجوا. فوضع السلاح، ودخل عليه القوم يقدمهم محمد بن أبي بكر. فأخذ بلحيته ودعوا باللقب. فقال: أنا عبد اللَّه وخليفته عثمان فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات وضربوه على مقدم العين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم، فسقطت عليه، قد أثخنوه وبه حياة، وهم يريدون أن يقطعوا رأسه فيذهبوا به فأتتني ابنة شيبة بن ربيعة فألقت بنفسها معي فوطئنا وطئًا شديدًا عُرِّينا من حلينا وحرمة أمير المؤمنين أعظم. فقتلوا أمير المؤمنين في بيته مقهورًا على فراشه. وقد أرسلت إليكم بثوبه عليه دمه فإنه واللَّه إن كان أثم من قتله فما سلم من خذله. فانظروا أين أنتم من اللَّه، وأنا أشتكي كل ما مسنا إلى اللَّه عز وجل وأستصرخ بصالحي عباده. فرحم اللَّه عثمان ولعن قتلته وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة وشفى منهم الصدور".
فحلف رجال من أهل الشام أن لا يمسوا غسلًا حتى يقتلوا عليًّا أو تفنى أرواحهم.
وهذا كتاب طويل ذكرت فيه زوجة عثمان تفاصيل قتله بعد أن فجعت بفقده، لكنها لم [ص 188] تذكر أسماء من باشروا القتل. وقد كانت نائلة من أخلص المخلصين لزوجها، ودافعت عنه بقدر طاقتها، وعرضت نفسها للقتل. وهكذا فليكن الوفاء والإخلاص. وقد حرضت معاوية والمسلمين بهذا الكتاب على الأخذ بالثأر.
ترك جثة عثمان بن عفان بلا دفن لمدة ثلاثة ايام
[الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 687، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 69]:
قيل: بقي عثمان ثلاثة أيام لم يدفن، ثم إن حكيم بن حزام وجبير بن مطعم، كلَّما عليًا في أن يأذن في دفنه، فقعدوا له في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله وغيرهم، وفيهم الزبير والحسن وأبو جهم بن حذيفة ومروان بين المغرب والعشاء، فأتوا به حائطًا من حيطان المدينة يسمى حَش كوكب [الحش: البستان. وحَش كوكب: موقع إلى جانب بقيع الغرقد بالمدينة]. وهو خارج البقيع فصلَّى عليه جبير بن مطعم، وخلفه حكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم الأسلمي، وجاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه، ثم تركوهم خوفًا من الفتنة.
وعن الربيع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه قال: كنت أحد حملة عثمان بن عفان حين توفي حملناه على باب، وإن رأسه يقرع الباب لإسراعنا به، وإن بنا من الخوف لأمرًا عظيمًا، حتى واريناه في قبره في حش كوكب.
وأرسل عليّ إلى من أراد أن يرجم سريره ممن جلس على الطريق لما سمع بهم فمنعهم عنه.
ونزل في قبره، بيان وأبو جهم وحبيب، وقيل: شهد جنازته علي وطلحة وزيد بن ثابت، وكعب بن مالك، وعامة من أصحابه.
وعن الحسن قال: شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه، وفي البخاري أنه لم يغسل.
مدة حياه عثمان بن عفان
[الطبري، تاريخ الأمم والملوك ]:
كانت مدة حياة عثمان على المشهور 82 سنة. قال الواقدي: لا خلاف عندنا أنه قُتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وهو قول أبي اليقظان.
الوالى الذى أرسله عثمان سنة وفاته لحكم مصر هو ولاية عبدالله بن سعد بن أبي سرح على مصرابن الأثير، الكامل في التاريخ